دا سيلفا وفلسطين ..حتى لا يسقط إرث سقراط في بئر خيانة كاكا ورونالدينيو
كان على لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أن يستبدل شمعة ميلاده الخامسة بصدمة شعبية، فبلاده البرازيل تفقد الحلم مجددًا وتفشل في تحقيق كأس العالم رغم أفضلية الأرض والمدرجات المشتعلة، ما أصحب الحسرة حينما تكون من جارك السيلستي أوروجواي”.
لم يمهل بيليه ورفاقه جيلمار وسانتوس فرصة البحث عن الثأر للطفل الفقير وأخضعوا لقب 1958 من قلب القارة العجوز عبر بوابة السويد بهزيمتهم في المباراة النهائية بخماسية مقابل هدفين، لتعود البهجة إلى شمعته رقم 13 ويظل رقمهم القياسي صامد أمام رحلات حيرانهم إلى أوروبا.
تتشابه طفولة دا سيلفا كثيرًا مع أطفال فلسطين وتحديدًا غزة، فتفتحت أعين البرازيلي على أسرة مفككة يقودها أب مستهتر يلجأ إلى العنف ويرفض تعليمهم ولا يؤمن بالموهبة، حُصر سيلفا في المنزل تماماً كحال القطاع واكتفى بنافذة صغيرة كمعبر رفح تسمح له بحلم النجومية على المستطيل الأخضر.
يمكنكم متابعة قصص موقع الدوري من خلال قسم “برا الملعب” بالضغط هنا
واجه دا سيلفا الفقر بترك التعليم والعمل في جميع المهن البسيطة منها مسح أحذية والحدادة في واقع مرير على الطفولة تتاشبه قسوته مع صوت قذائف الاحتلال على ورثة الأرض.
في 1967 تلقى أصحاب الأرض ضربة قاسية جديدة بينما كان يقرر دا سيلفا وقتها “لا كرة قدم بعد اليوم.. الآن يجب أن أتجه للسياسية”، لكن القدر كان له رأي آخر، غيب الموت زوجته ماريا دي لورد والتي كانت تمثل له الكثير، فقبض عليه الاكتئاب لسنوات.
إرث سقراط من الملعب إلى الشعب
في البرازيل، كرة القدم محطة إجبارية لا مفر منها، إما أن تكون سعيك الأساسي أو مصدر إلهامك أو نقطة تحول كما هو حال بطلنا، خلال حقبتي السبيعنيات والثمنينيات، عرف العالم سقراط، لم يقاوم نداء الملعب وانحاز للمدرج على حساب شهادة طب الأطفال والمواقف السياسية.
لم يستسلم أمام إغراء أموال الاحتراف وظل على موقفه الرافض لفترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل واستخدم أهدافه ومهاراته كقواعد لصد غارات مغتصبي الحرية في مختلف بلاد العالم.
تاريخ ومفارقات .. من دا سيلفا إلى فلسطين
حمل شهر أكتوبر 1973 خبرًا سعيدًا للفلسطينين، مصر تعبر القناة وسوريا تتقدم في الجولان، الآن ندرك أن العدو يمكن هزيمته وقهره، في نفس الوقت تقريبًا عاد دا سيلفا إلى الحياة بمساندة من سيعلنها زوجة له بعد شهور قليلة ماريسا ليتيسيا والتي أنجب منها 3 أبناء فيما كان يمتلك ابن من زوجته الأولى.
انطلق من الزواج إلى اضرابات العمال واجتماعات النقابات المختلفة ومظاهرات البحث عن جودة العيش، ونجح دا سيلفا في إحداث تغيير جذري في العمل النقابي في البلاد حيث حولها من نقابات تدور في فلك الحكومات أو موالية لها، إلى حركة نقابية قوية مستقلة.
قاد دا سيلفا الإضرابات العمالية الكبرى التي نُظمت في نهاية ذلك العقد في المنطقة الصناعية في ساو باولو، وهي إضرابات لم تكن مألوفة في البرازيل التي كانت خاضعة للحكم العسكري بين عامي (1964-1985).
سمحت البرازيل لدا سيلفا بعبور النفق المظلم إلى مقعد الرئاسة فيما لم يفقد الاحتلال شغف استهداف أنفاق الطعام والماء ومنازل البشر، ربما هنا نهاية المفارقات.
الانحياز الواضح
رجل يحمل خلف ظهره تاريخًا من الفقر والبحث عن السلام يسهل توقع قراره عندما يجلس على كرسي الرئاسة، بالانحياز الكامل إلى من يشبه طفولته البريئة وربما يحاول مواجهة قسوة والده هذه المرة في صورة كيان مغتصب.
لم يفوت دا سيلفا فرصة إلا وأكد انحياز دولته الكامل للشعب الفلسطيني، ففي 2010 اعترف بدولة فلسطين وسط تنديد وهجوم أمريكي.
وخلال نفس العام قام بزيارة تاريخية إلى الأراضي الفلسطينية حاول خلالها إنهاء الخلفات واستعداده لفتح محادثات مع الجميع بما في ذلك حركة حماس.
كما زار ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وافتتح “شارع البرازيل” في رام الله بالضفة الغربية حيث مقر السلطة الفلسطينية، قبل ان يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقال لولا اثناء الاحتفال بافتتاح الشارع “اني اشعر بسعادة بالغة ان يكون شارع البرازيل قريبا من ضريح عرفات، ان ذلك يدل على المودة التي يكنها الشعب الفلسطيني حيال الشعب البرازيلي
وخلال الهجمات الأخيرة على المدنيين في قطاع غزة، دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن وندد بسياسية دولة الاحتلال وخاصة استهداف المدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس.
محاولة اختراق
غادر دا سيلفا قصر الفوردا في يناير 2011 بعد 8 سنوات من الحكم وسط دموع داعميه، لتخلفه ديلما روسيف ثم ميشال نامر ثم بولسونارو.
حاولت إسرائيل اختراق الموقف البرازيلي من خلال المستطيل الأخضر وكذلك دوائر الساسة خلال ولاية ميشال و بولسونارو، بجذب نجوم السامبا بمباريات ودية مقابل دوافع مالية مغرية.
ونظمت دولة الاحتلال في مارس 2019 مباراة تحت مسمى “مباراة السلام” بين قدامى منتخب إسرائيل وقدامى منتخب البرازيل.
وشارك في المباراة أساطير كرة القدم البرازيلية مثل رونالدينيو وكاكا وريفالدو وبابيتو وروبرتو كارلوس وألدير وإيمرسون وإميلسون وسيسار سيمبايو إيميروسو وجيفرسون وجونسالباش وغيرهم.
لم يفقد عشاق المستديرة في الوطن العربي شغفهم براقصي السامبا رغم سقوط الأساطير في بئر أموال الاحتلال، فالقميص الأصفر ارتداه سقراط من قبل ومواقف دا سيلفا لن تنسى.
فيما تقدم رجال الاحتلال خطوات دبلوماسية كبيرة بمشاركة الرئيس البرازيلي بولسونارو الذي حول سياسة بلاده لدعم إسرائيل في المحافل الدولية.
النقطة صفر
عاد دا سيلفا لمقعد الرئاسة مجددًا في 2022 وعادت معه القضية الفلسطينية إلى اهتمامات القصر الشهير وقال خلال تنصيبه في الولاية الحالية “البرازيل ستدعم جهود فلسطين في كافة المحافل الدولية ونعيد التزامنا القديم والأساسي بالانحياز للفلسطينيين”.
وعمل منذ اللحظة الأولى على تعديل سياسة بلاده التي أصبحت خلال رئاسة جايير بولسونارو “سلفه” مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي دوليًا، ووقف السير نحو مزيد من الفعاليات الثنائية على مختلف مجالات الفن والرياضة، كما أقدم على إقالة السفير البرازيلي لدى إسرائيل بعدما تم تعيينه من قبل بولسونارو.
خرج وزير الحارجية البرازيلي ماورو فييرا حينها للتأكيد على توجه الحكومة الجديدة بدعم فلسطين في الدوائر الدبلوماسية والسياسية العالمي بعد فترة من التقارب مع تل أبيب.