الاسكواش المصري والإنجليز .. تجنيس أم استرداد ودائع؟
رحلة الاسكواش المصري ..بريق عالمي خطفه محمد صلاح
الاسكواش المصري .. لسنوات طويلة أو ربما عقود، منح الاسكوش البريق العالمي للرياضة المصرية، فبينما يقتصر طموح رجال اللعبة الشعبية الأولى على بلوغ الحدث المونديالي الذي يضم 32 منتخبًا، وتوصف رحلات أحمد حسام ميدو إلى مارسيليا وأمستردام ولندن بالحلم والمعجزة، كان أبناء القاهرة يسيطرون على ترتيب قائمة الأفضل للكرة المطاطية.
لم يتأثر صعود الاسكواش بالاضطربات السياسية التي شهدتها مصر منذ 2011 وربما ذلك يعود إلى الطبيعة الاجتماعية لممارسيها وحالتهم المادية واستقبال مدن الساحل الأحمر للفعاليات.
ما عجزت عنه عواصف السياسة والأزمات الاقتصادية في سنوات الاضطراب، فعلته إنجلترا باستقطاب نجوم اللعبة وصبغهم بالعلم الإنجليزي.
قصة أخرى: علاء عبدالعال .. خطة اقتحام “بيت الرعب”
حكاية الاسكواش المصري والإنجليز بدأت فصولها مع القرن الـ20 ضمن تفاعل المحتل مع الأرض، فهل خطوة آل الشوربجي استرداد أسرى أم اعتداء جديد؟
أصل الحكاية .. من السجن إلى الملعب
الاسكواش لعبة منحتها إنجلترا للرياضة العالمية في عام 1830، تعود فكرتها إلى لعبة المضرب القديمة التي كانت تُلعب في سجون لندن، ثم انتشرت في المدارس.
تطورت اللعبة من ناحية القوانين المنظمة ومكان المواجهة وعرفت الاستقلالية عام 1890 حتى وصلت إلى شكلها الحالي، يمارسها 20 مليون شخص حول العالم.
بين الإنجليز ومصر
كان الاسكواش وسيلة الترفيه المفضلة في معسكرات ضباط الإنجليز بمصر خاصة في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وهو ما انتقل بالملاحظة ثم الممارسة إلى المصريين.
يرصد فيلم لورانس العرب تأثير اللعبة في الفكر الترفيهي للعسكرية الإنجليزية على لسان ضابط كبير يصف الأوضاع في قاعدته قائلًا “الأمور تسير على ما يرام، وقد شيدنا ملعب اسكواش”.
ظهور مصري
اقتصرت ممارسة المصريين للعبة في بدايتها على التسلية دون تأثير يذكر حتى جاء عبد الفتاح عمرو المولود في قرية أبو تيج بمحافظة أسيوط عام 1909، ليغير قواعد المضرب الحديث.
عرف عبد الفتاح اللعبة خلال دارسته في جامعة أكسفورد بعدما تألق في ممارسة التنس في مصر ومثل بلاده في “كأس ديفيز”.
واصل المصري تألقه ووصل إلى قمة اللعبة عالميًا بعدما حصد 6 نسخ متتالية (1933: 1938) من بطولة بريطانيا المفتوحة والتي كانت الحدث الأهم والأقوى وقتها.
تمثل صعود عبد الفتاح في إنهاء أسطورة دون بوتشر حامل كأس 1931 والذي قال عن المصري في وقت لاحق: “لإعطائك فكرة عن لياقته وقوته، فأنا اللاعب الوحيد الذي سجل ضده نقاطا في اللعبة الخامسة من مباراة خطيرة” وفقًا لما نقل موقع الاتحاد الدولي لمحترفي الاسكواش.
يتمتع عبد الفتاح بتقدير محلي وعالمي كبير في تاريخ اللعبة نظرًا للتأثير الفني من خلال مهاراته الشخصية أو وضعه قواعد اللعبة في مصر.
لم يمنع الاسكواش عبد الفتاح عمرو من مواصلة مشواره الدبلوماسي فبعد أن حمل لقب “الباشا” عمل سفيرًا لملك مصر والسودان في المملكة المتحدة بين عام 1945 و1952.
موسى هلال .. كفاح غير مدون
غاب التصنيف الدولي المعتمد عن ممارسي اللعبة في مصر خلال ثلاثينيات القرن الماضي وهو ما وضع تاريخ عدد من النجوم خارج سياق التسجيل والتدوين.
بحسب الاتحاد المصري للاسكواش، فإن موسى هلال كان من أبرز اللاعبين خلال تلك الحقبة ولو صٌنف رسميًا كان سيحصل على أحد مقاعد العشرة الأوائل عالميًا على أقل تقدير.
محمود عبد الكريم .. الهجرة الأولى
بخلاف حال عبد الفتاح عمرو فقد عرف محمود عبد الكريم (1919 – 1999) اللعبة وأجادها في وطنه، تعود قصته إلى عمله في ملاعب تنس نادي الجزيرة عام ١٩٣٩يقوم خلالها بجمع كرات التنس أثناء المباريات وكان يحصل حينها على مليم.
منح أحد الإنجليز عبد الكريم مضربًا قديمًا به كسور، وأثناء مروره على أحد ملاعب الاسكواش وجد بريطانيًا يلعب بمفرده وعندما رآه طلب منه النزول للعب معه وشاركه محمود وخسر في النهاية بنتيجة 9/ 3.
أحب عبد الكريم اللعبة ومن اليوم التالي لخسارته الأولى، خصص وقتًا للتدرب على فنون اللعبة وواصل البحث عن الإنجليزي للانتقام ولكنه وجده قد غادر للمشاركة في الحرب العالمية الثانية في قبرص.
إلى عاصمة الضباب بواسطة عبد الفتاح
خطف عبد الفتاح أنظار أعضاء الجزيرة بتميزه في اللعبة، وهو ما دفع عدد منهم للتوسط عند الأسطورة الأولى عبد الفتاح عمرو خلال إجازته في مصر، لتسهيل سفر الصاعد الجديد إلى لندن لمواجهة النجم العالمي جيمي دير.
واجه الصاعد صعوبات كبيرة خلال سفره لقلة الأموال وسكن في غرفة صغيرة وذهب إلى ملعب المباراة سيرًا على الأقدام في طقس بارد.
الأسوء من الطقس كانت الأجواء، ينظر المصري حوله فلا يجد من يعرفه، “بهوات بقباعات” يأتون للحصول على توقيع النجم جيمي دير مع اهتمام إعلامي من الصحف.
أبهر عبد الكريم الإنجليزي بمضربه وخرج فائزًا بنتيجة 9-0 وهو ما لم يصدقه عبد الفتاح باشا عمرو في البداية، فقد قدم للمباراة بعد نهايتها، لتكون بداية أسطورة مصرية جديدة.
إطلالة أخرى: هل وجد مقلد الضوء أم أنها لعنة الكهرباء؟
بعيدًا عن نتائج الملعب، فيمتلك عبد الكريم ريادة الجانب التسويقي بجذبه دعايا الشركات خاصة الأدوية والأدوات الرياضية إلى جانب تصدره عنواين الصحف خاصة مع تحقيق الرباعية المتتالية لبطولة بريطانيا المقتوحة “1947: 1950”.
هاجر عبد الكريم إلى كندا وأصبح المدرب الأشهر هناك متسلحًا بسمعته كلاعب وعاد إلى مصر مع احتفاله بعيد ميلاده الـ 70 للعمل في المكان الذي بدأ فيه رحلته إلى العالم “نادي الجزيرة”.
الحقبة الناصرية وما قبل مبارك
اتسعت رقعة الأندية المفعلة لنشاط الاسكواش خلال حقبة الستينيات ورغم زيادة عدد المشاركين إلا أن البصمة الأبرز يمكن حصرها في عبد الفتاح أبو طالب الذي حقق بطولة بريطانيا المفتوحة في 3 نسخ متتالية “1964- 1965- 1966” إلى جانب الظهور المميز للاعب إبراهيم أمين والذي خسر أمام مواطنه لقب 1965.
مثل جمال عوض حلقة وصل بين جيلين في الاسكواش بعدما تألق في السبعينيات وحقق بطولة بريطانيا المفتوحة في نسختين 1977، 1978.
عصر مبارك
يجبرنا الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، على أخذ منحنى آخر في سرد تطور اللعبة وذلك لدوره في ريادتها خلال الثلاث عقود، فالنشاط قبله اقتصر على الدوافع الشخصية للمارسة وتشجيع البيئة المحيطة على المواصلة.
اهتم مبارك باللعبة لكونه أحد عشاقها لاعبًا واستحوذت على وقته خلال الإجازات وكانت الطريق الوحيد لتوديع الروتين اليومي وصداع السياسة والحكم.
وسبق لـ عاصم خليفة، رئيس الاتحاد المصري للاسكواش، التعليق على ارتباط مبارك باللعبة مؤكدًا أنه يصطحب أدواتها خلال زياراته الخارجية.
وأرجع خليفة سبب اهتمام الرئيس باللعبة كهواية إلى دورها في رفع اللياقة البدنية خاصة للطيارين والضباط مؤكدًا أنها تحولت إلى ولع وعشق لهذه اللعبة حتى بعد ترقيته إلى مناصب أخرى ثم توليه الحكم.
واهتم مبارك بممارسي اللعبة فضلًا عن البنية التحتية لها، فساند أحمد برادة رغم خسارة نهائي الأهرام الدولية عام 1996، ودعم منتخب البنات المتواضع في 2008 وطلبت من حسن صقر، رئيس جهاز الرياضة، الاهتمام بهن، وقام بمقابلتهن لاحقًا.
ويقول خليفة عن البطولة: “بلغت الفتيات اهتمام الرئيس بالبطولة ومتابعته لها، وكانت حافز للفريق شجعه على الوصول إلى النهائي أمام إنجلترا، اللي قبل المباراة كانت حاصدة البطولة 9 مرات، في حين مصر مكنتش حققتها غير مرتين.. أعتقد رسالة مبارك ساهمت في تحقيق الفريق للبطولة”.
وتطرق للتدليل بموقف أخر أثناء قيادته للاتحاد العربي للعبة: “الأمير الحسن بن طلال شقيق ملك الأردن، سألني أثناء توزيع الجوائز على الفائزين: “أنت مصري؟ أنت لعبت مع الرئيس مبارك؟”، ولم ينتظر الأمير إجابة من خليفة ليجيب بنفسه: “أنا لعبت معاه”، قبل أن يحكي له موقفًا يُدلل به على مدى ارتباط مبارك بالأسكواش.
وقبل مباراة مبارك بالأمير الحسن، تلقى الأخير نصيحة من ملك الأردن نصها “خد بالك، مبارك بيزعل لما يتغلب”، وهو ما حكاه الأمير لرئيس الاتحاد المصري للأسكواش بعد فوزه عليه: “مبارك قالي وهو بيضحك المرة الجاية هجيب حكم من مصر”، على حد قول خليفة.
زادت شهرة اللعبة في عهده
يؤكد أمير وجيه بطل مصر السابق للاسكواش ومدرب منتخب مصر بين عامي 1994 و2012، أن الفضل في زيادة شعبية اللعبة في مصر يعود إلى محمد حسني مبارك.
وواصل وجيه تصريحاته الصحفية ” قام مبارك بزيادة التمويل الحكومي لهذه الرياضة ودعم بطولة الأهرام الشهيرة”.
بلغ برادة وصافة التصنيف العالمي عام 1998 مع تنظيم مصر لمسابقات برعاية حكومية في هضبة الهرم وربطها بالترويج للسياحة، وتوقفت محاولات أحمد فيظي عند المرتبة رقم 41 عالميًا واحتل عمر البرلسي المركز الـ 14 في عام 2001 ومحمد عباس رقم 13 عام 2007.
عمرو شبانة .. سيطرة مطلقة
تصدر عمرو شبانة التصنيف العالمي لـ 28 شهراً متصلاً ما بين شهر أبريل 2006 وحتى ديسمبر 2008، وواصل زميله كريم درويش رفع الراية الوطنية في 4 بطولات عالم متتالية ومثلها في هونج كونج المفتوحة إلى جانب وبطولة أمريكا المفتوحة مرتين مع السيطرة على قمة التصنيف خلال عام 2009 ما عدا شهر نوفمبر.
أصبح من المعتاد ظهور الأسماء المصرية في قمة التصنيف العالمي خلال الحقبة الحديثه مع رامي عاشور وكريم عبد الجواد والأخوين الشوربجي وعلي فرج وغيرهم.
محمد صلاح يخطف البريق
عانى عشاق الساحرة المستديرة في مصر من ظمأ عالمي حتى جاء محمد صلاح من نجريج بمحافظة الغربية، ليرويهم بوضع نفسه بين القائمة القصيرة للأفضل في العالم.
تحيز المصريون لصلاح وأصبح ظهوره النصف أسبوعي في أوروبا حدثًا مفضلًا للمقاهي الشعبية وبيوت الفقراء ليضع الإنجازات العالمية للرياضية الوطنية في حرج.
يشبه صلاح القاعدة العريضة من المصريين، فالرحلات التي تبدأ من رصيف محطة رمسيس تختلف عن الشغف الناتج من عضوية الأبوين في نادي الجزيرة، والبطولات التي تلعب على ساحل البحر الأحمر في حوض زجاجي يشبه أسماك الزينة يختلف عن بطولات الجمهورية وملاعب بحري.
أزمة التجنيس في الاسكواش
رغم استحواذ صلاح على بريق الأداء الفردي لنجوم الرياضة المصرية عالميًا، إلا أن ذلك لم يحجب كامل الضوء عن رجال الاسكواش خاصة مع استخدام آل ساويرس مضاربهم في الترويج للجونة، وتخصيص أبوهيشمة جزءًا من مكاسب حديده لدعم قمصانهم حتى جاء قرار الشوربجي.
مع بداية شهر يونيو 2022، قرر محمد الشوربجي الاسم الأبرز في الاسكواش المصري والمصنف الأول عالميًا خلع قميص الفراعنة وارتداء قبعة الإنجليز.
الشوربجي من مواليد الإسكندرية واستحوذ على قمة اللعبة خلال الفترة من 2014 وحتى 2021، غادر اللاعب إلى حيث جاء المضرب أول مرة لمصر، وترك الاتحاد المحلي وعناصر اللعبة في اتهامات متبادلة.
الشوربجي علق حينها لصفحة الاتحاد الإنجليزي قائلًا: ” أنا متحمس حقًا لتمثيل إنجلترا الآن لقد عشت في إنجلترا أكثر من نصف حياتي وتدربت على يد مدربين بريطانيين”.
وواصل حديثه: ” جئت إلى إنجلترا عام 2006 للدراسة ومنذ ذلك الحين أصبحت بريستول موطني، بصفتي مواطنا بريطانيًا الآن، سأقدم كل ما بوسعي لدولة دعمتني لسنوات عديدة”.
وحقق الشوربجي رقمًا تاريخيًا سلبيًا بكونه أول لاعب مصري يمثل دولة أجنبية في بطولة دولية ضمن فعاليات الاسكواش.
مروان يلحق بشقيقه
سنه واحدة كانت كفيلة بإعلان مروان الشوربجي اللحاق بشقيقه والانضمام لتمثيل منتخب الإنجليز في الفعاليات الدولية للاسكواش.
الاتحاد الإنجليزي احتفى بتجنيس المصنف السادس عالميًا والذي صرح: ” لا أستطيع أن أشرح مدى سعادتي لتمثيل العلم الإنجليزي الموسم المقبل”.
وصف الشوربجي إنجلترا بالمنزل الذي علمه الكثير خلال مسيرته وأشار إلى أن المعاملة التي تلقاها من الإنجليز دفعته لرد الجميل.